فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}.
الإشارة بذلك إلى المولود الذي ولدته مريم المتصف بتلك الأوصاف الجميلة، و{ذلك} مبتدأ و{عيسى} خبره و{ابن مريم} صفة لعيسى أو خبر بعد خبر أو بدل، والمقصود ثبوت بنوّته من مريم خاصة من غير أب فليس بابن له كما يزعم النصارى ولا لغير رشدة كما يزعم اليهود.
وقرأ زيد بن عليّ وابن عامر وعاصم وحمزة وابن أبي إسحاق والحسن ويعقوب {قول الحق} بنصب اللام، وانتصابه على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي هذه الأخبار عن {عيسى} أنه {ابن مريم} ثابت صدق ليس منسوبًا لغيرها، أي إنها ولدته من غير مس بشر كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل، أي أقول {الحق} وأقول قول {الحق} فيكون {الحق} هنا الصدق وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أي القول {الحق} كما قال: {وعد الصدق} أي الوعد الصدق وإن عنى به الله تعالى كان القول مرادًا به الكلمة كما قالوا كلمة الله كان انتصابه على المدح وعلى هذا تكون الذي صفة للقول، وعلى الوجه الأول تكون {الذي} صفة للحق.
وقرأ الجمهور: {قول} برفع اللام.
وقرأ ابن مسعود والأعمش قال بألف ورفع اللام.
وقرأ الحسن {قول} بضم القاف ورفع اللام وهي مصادر كالرهب والرهب والرهب وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو أي نسبته إلى أمه فقط {قول الحق} فتتفق إذ ذاك قراءة النصب وقراءة الرفع في المعنى.
وقال الزمخشري: وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو بدل انتهى.
وهذا الذي ذكر لا يكون إلاّ على المجاز في قول وهو أن يراد به كلمة الله لأن اللفظ لا يكون الذات.
وقرأ طلحة والأعمش في رواية زائدة قال: بألف جعله فعلًا ماضيًا {الحق} برفع القاف على الفاعلية، والمعنى قال الحق وهو الله {ذلك} الناطق الموصوف بتلك الأوصاف هو {عيسى ابن مريم} و{الذي} على هذا خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي.
وقرأ عليّ كرم الله وجهه والسلمي وداود بن أبي هند ونافع في رواية والكسائي في رواية {تمترون} بتاء الخطاب والجمهور بياء الغيبة، وامترى افتعل إما من المرية وهي الشك، وإما من المراء وهو المجادلة والملاحاة، وكلاهما مقول هنا قالت اليهود ساحر كذاب، وقالت النصارى ابن الله وثالثها ثلاثة وهو الله {ما كان لله أن يتخذ من ولد} هذا تكذيب للنصارى في دعواهم أنه ابن الله، وإذا استحالت البنوة فاستحالة الإلهية مستقلة أو بالتثليث أبلغ في الاستحالة، وهذا التركيب معناه الانتفاء فتارة يدل من جهة المعنى على الزجر {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله} وتارة على التعجيز {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} وتارة على التنزيه كهذه الآية، ولذلك أعقب هذا النفي بقوله: {سبحانه} أي تنزه عن الولد إذ هو مما لا يتأتى ولا يتصور في المعقول ولا تتعلق به القدرة لاستحالته، إذ هو تعالى متى تعلقت إرادته بإيجاد شيء أوجده فهو منزه عن التوالد.
وتقدم الكلام على الجملة من قوله: {إذا قضى أمرًا}.
وقرأ الجمهور: {وإن الله} بكسر الهمزة على الاستئناف.
وقرأ أُبي بالكسر دون واو، وقرأ الحرميان وأبو عمرو {وإن} بالواو وفتح الهمزة، وخرجه ابن عطية على أن يكون معطوفًا على قوله هذا {قول الحق} {وإن الله ربي} كذلك.
وخرجه الزمخشري على أن معناه ولأنه ربي وربكم فاعبدوه كقوله: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا} انتهى.
وهذا قول الخليل وسيبويه وفي حرف أبي أيضًا، وبأن {الله} بالواو وباء الجر أي بسبب ذلك فاعبدوه.
وأجاز الفراء في {وإن} يكون في موضع خفض معطوفًا على والزكاة، أي {وأوصاني بالصلاة والزكاة} وبأن الله ربي وربكم انتهى.
وهذا في غاية البعد للفصل الكثير، وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بمعنى الأمر {إن الله ربي وربكم}.
وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء أن يكون المعنى، وقضى {إن الله ربي وربكم} فهي معطوفة على قوله: {أمرًا} من قوله: {إذا قضى أمرًا} والمعنى {إذا قضى أمرًا} وقضى {إن الله} انتهى.
وهذا تخبيط في الإعراب لأنه إذا كان معطوفًا على {أمرًا} كان في حيز الشرط، وكونه تعالى ربنا لا يتقيد بالشرط وهذا يبعد أن يكون قاله أبو عمرو بن العلاء فإنه من الجلالة في علم النحو بالمكان الذي قل أن يوازنه أحد مع كونه عربيًا، ولعل ذلك من فهم أبي عبيدة فإنه يضعف في النحو والخطاب في قول {وربكم} قيل لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى أمر الله تعالى أن يقول لهم {ذلك عيسى ابن مريم} أي قل لهم يا محمد هذا الكلام.
وقيل: الخطاب للذين خاطبهم عيسى بقوله: {إني عبد الله} الآية وإن الله معطوف على الكتاب، وقد قال وهب عهد عيسى إليهم {إن الله ربي وربكم} ومن كسر الهمزة عطف على قوله: {إني عبد الله} فيكون محكيًا.
يقال: وعلى هذا القول يكون قوله: {ذلك عيسى ابن مريم}- إلى- {وإن الله} حمل اعتراض أخبر الله تعالى بها رسوله عليه السلام.
والإشارة بقوله: {هذا} أي القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة، هو الطريق المستقيم الذي يفضي بقائله ومعتقده إلى النجاة {فاختلف الأحزاب من بينهم} هذا إخبار من الله للرسول بتفرق بني إسرائيل فرقًا، ومعنى {من بينهم} أن الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين لم يقع الاختلاف سببه غيرهم.
و{الأحزاب} قال الكلبي: اليهود والنصارى.
وقال الحسن: الذين تحزبوا على الانبياء لما قص عليهم قصة عيسى اختلفوا فيه من بين الناس انتهى.
فالضمير في {بينهم} على هذا ليس عائدًا على {الأحزاب}.
وقيل: {الأحزاب} هنا المسلمون واليهود والنصارى.
وقيل: هم النصارى فقط.
وعن قتادة إن بني إسرائيل جمعوا أربعة من أحبارهم.
فقال أحدهم: عيسى هو الله نزل إلى الأرض وأحيا من أحيا وأمات من أمات، فكذبه الثلاثة واتبعته اليعقوبية.
ثم قال أحد الثلاثة: عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعته النسطورية، وقال أحد الاثنين: عيسى أحد ثلاثة الله إله، ومريم إله، وعيسى إله فكذبه الرابع وأتبعته الإسرائيلية.
وقال الرابع: عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فاتبعته فرقة من بني إسرائيل ثم اقتتل الأربعة، فغلب المؤمنون وظهرت اليعقوبية على الجميع فروي أن في ذلك نزلت {إن الذين يكفرون بآيات الله} آية آل عمران، والأربعة يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل.
وبين هنا أصله ظرف استعمل اسمًا بدخول {من} عليه.
وقيل: {من} زائدة.
وقيل البين هنا البعد أي اختلفوا فيه لبعدهم عن الحق.
و{مشهد} مفعل من الشهود وهو الحضور أو من الشهادة ويكون مصدرًا ومكانًا وزمانًا، فمن الشهود يجوز أن يكون المعنى من شهود هول الحساب والجزاء في يوم القيامة، وإن يكون من مكان الشهود فيه وهو الموقف، وأن يكون من وقت الشهود ومن الشهادة، يجوز أن يكون المعنى من شهادة ذلك اليوم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر، وأن يكون من مكان الشهادة، وأن يكون من وقت الشهادة واليوم العظيم على هذه الاحتمالات يوم القيامة.
وعن قتادة: هو يوم قتل المؤمنين حين اختلف الأحزاب وقيل ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه يوم اختلافهم، وتقدم الكلام على التعجب الوارد من الله في قوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} وأنه لا يوصف بالتعجب. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ذلك} إشارةٌ إلى من فُصّلت نعوتُه الجليلةُ، وما فيه من معنى البُعد للدِلالة على علو مرتبتِه وبُعد منزلتِه وامتيازِه بتلك المناقبِ الحميدةِ عن غيره ونزولِه منزلةَ المشاهَد المحسوس {عِيسَى ابن مَرْيَمَ} لا ما يصفه النصارى، وهو تكذيبٌ لهم فيما يزعُمونه على الوجه الأبلغِ والمنهاج البرهانيِّ حيث جعله موصوفًا بأضداد ما يصفونه {قَوْلَ الحق} بالنصب على أنه مصدرٌ مؤكِّدٌ لقال: إني عبد الله.. إلخ، وقوله تعالى: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ} اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله، وقرئ بالرفع على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي هو قولُ الحق الذي لا ريب فيه، والإضافةُ للبيان والضميرُ للكلام السابق لتمام القصة، وقيل: صفةُ عيسى أو بدلُه أو خبرٌ ثانٍ ومعناه كلمةُ الله، وقرئ قالَ الحقِّ وقول الحق فإن القولَ والقال في معنى واحد {الذى فِيهِ يَمْتُرُونَ} أي يشكون أو يتنازعون، فيقول اليهودُ: ساحرٌ، والنصارى: ابنُ الله، وقرئ بتاء الخطاب.
{مَا كَانَ للَّهِ} أي ما صح وما استقام له تعالى {أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سبحانه} تكذيبٌ للنصارى وتنزيهٌ له تعالى عما بَهتوه وقوله تعالى: {إِذَا قضى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} تبكيتٌ لهم ببيان أن شأنه تعالى إذا قضى أمرًا من الأمور أن يعلِّق به إرادتَه فيكونَ حينئذ بلا تأخير، فَمْن هذا شأنُه كيف يُتوهّم أن يكون له ولد وقرئ فيكونَ بالنصب على الجواب.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} من تمام كلامِ عيسى عليه السلام، قيل: هو عطف على قوله: {إِنّى عَبْدُ الله} داخلٌ تحت القولِ وقد قرىء بغير واو، وقرئ بفتح الهمزة على حذف اللام أي ولأنه تعالى ربي وربُّكم فاعبُدوه كقوله تعالى: {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَدًا} وقيل: معطوفٌ على الصلاة {هذا} أي الذي ذكرتُه من التوحيد {صراط مُّسْتَقِيمٍ} لا يضِلُّ سالكُه والفاء في قوله تعالى: {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} لترتيب ما بعدها على ما قبلها تنبيها على سوء صنيعِهم بجعلهم ما يوجب الاتفاقَ منشًا للاختلاف، فإن ما حُكي من مقالات عيسى عليه السلام مع كونها نصوصًا قاطعةً في كونه عبدَه تعالى ورسولَه قد اختلفت اليهودُ والنصارى بالتفريط والإفراط، أو فرّق النصارى، فقالت النُّسطوريةُ: هو ابنُ الله، وقالت اليعقوبيةُ: هو الله هبط إلى الأرض ثم صعِد إلى السماء تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، وقالت الملكانية: هو عبدُ الله ونبيُّه.
{فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} وهم المختلفون عبّر عنهم بالموصول إيذانًا بكفرهم جميعًا وإشعارًا بعلة الحُكم {مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي من شهود يومٍ عظيمِ الهول والحساب والجزاء وهو يومُ القيامة، أو من وقت شهودِه أو من مكان الشهود فيه أو من شهادة ذلك اليوم عليهم، وهو أن يشهد عليهم الملائكةُ والأنبياءُ عليهم السلام وألسنتُهم وآذانُهم وأيديهم وأرجلُهم وسائرُ آرابِهم بالكفر والفسوق، أو من وقت الشهادة أو من مكانها، وقيل: هو ما شِهدوا به في حق عيسى وأمِّه عليهما السلام. اهـ.

.قال الألوسي:

{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)}.
{ذلك} إشارة إلى من فصلت نعوته الجليلة.
وفيه إشارة إلى علو رتبته وبعد منزلته وامتيازه بتلك المناقب الحميدة عن غيره ونزوله منزلة المحسوس المشاهد.
وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: {عِيسَى} وقوله سبحانه: {ابن مَرْيَمَ} صفة عيسى أو خبر بعد خبر أو بدل أو عطف بيان والأكثرون على الصفة.
والمراد ذلك هو عيسى ابن مريم لا ما يصفه النصارى وهو تكذيب لهم على الوجه الأبلغ والمنهاج البرهاني حيث جعل موصوفًا بأضداد ما يصفونه كالعبودية لخالقه سبحانه المضادة لكونه عليه السلام إلهًا وابنًا لله عز وجل فالحصر مستفاد من فحوى الكلام، وقيل: هو مستفاد من تعريف الطرفين بناءً على ما ذكره الكرماني من أن تعريفهما مطلقًا يفيد الحصر، وهو على ما فيه مخالف لما ذكره أهل المعاني من أن ذلك مخصوص بتعريف المسند باللام أو بإضافته إلى ما هي فيه ك {تلك آيات الكتاب} [يونس: 1] على ما في بعض شروح الكشاف.
وقيل استفادته من التعريف على ما ذكروه أيضًا بناءً على أن عيسى مؤول بالمعرف باللام أي المسمى بعيسى وهو كما ترى فعليك بالأول.
{قَوْلَ الحق} نصب على المدح.
والمراد بالحق الله تعالى وبالقول كلمته تعالى، وأطلقت عليه عليه السلام بمعنى أنه خلق بقول كن من غير أب.